الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قرأ الجمهور بكسر الخاء وسكون الطاء وبالهمز المقصور.وقرأ ابن عامر: {خطأ} بفتح الخاء والطاء والقصر في الهمز، يقال: خطىء في دينه خطئًا: إذا أثم، وأخطأ: إذا سلك سبيل خطأً عامدًا أو غير عامد.قال الأزهري، خطىء يخطأ خطئًا، مثل: أثم يأثم إثمًا، إذا تعمد الخطأ، وأخطأ: إذا لم يتعمد إخطاء وخطأ، قال الشاعر:
والخطأ: الاسم يقوم مقام الأخطاء، وفيه لغتان: القصر، وهو الجيد، والمدّ وهو قليل.وقرأ ابن كثير بكسر الخاء وفتح الطاء ومد الهمز.قال النحاس: ولا أعرف لهذه القراءة وجهًا، وكذلك جعلها أبو حاتم غلطًا.وقرأ الحسن {خطا} بفتح الخاء والطاء منوّنة من غير همز.ولما نهى سبحانه عن قتل الأولاد المستدعي لإفناء النسل، ذكر النهي عن الزنا المفضي إلى ذلك لما فيه من اختلاط الأنساب فقال: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى} وفي النهي عن قربانه بمباشرة مقدماته نهي عنه بالأولى، فإن الوسيلة إلى الشيء إذا كانت حرامًا كان المتوسل إليه حرامًا بفحوى الخطاب، والزنى فيه لغتان: المد، والقصر.قال الشاعر: ثم علل النهي عن الزنا بقوله: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} أي: قبيحًا متبالغًا في القبح، مجاوزًا للحدّ {وَسَاء سَبِيلًا} أي: بئس طريقًا طريقه، وذلك لأنه يؤدي إلى النار، ولا خلاف في كونه من كبائر الذنوب.وقد ورد في تقبيحه والتنفير عنه من الأدلة ما هو معلوم.ولما فرغ من ذكر النهي عن القتل لخصوص الأولاد، وعن النهي عن الزنا الذي يفضي إلى ما يفضي إليه قتل الأولاد، من اختلاط الأنساب، وعدم استقرارها، نهى عن قتل الأنفس المعصومة على العموم فقال: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التى حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق}.والمراد بالتي حرّم الله: التي جعلها معصومة بعصمة الدين أو عصمة العهد.والمراد بالحق الذي استثناه: هو ما يباح به قتل الأنفس المعصومة في الأصل، وذلك كالردّة، والزنا من المحصن، وكالقصاص من القاتل عمدًا عدوانًا، وما يلتحق بذلك.والاستثناء مفرّغ، أي: لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلاّ بسبب متلبس بالحق، أو إلاّ متلبسين بالحق، وقد تقدّم الكلام في هذا في الأنعام.ثم بين حكم بعض المقتولين بغير حق فقال: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا} أي: لا بسبب من الأسباب المسوّغة لقتله شرعًا {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا} أي: لمن يلي أمره من ورثته إن كانوا موجودين، أو ممن له سلطان إن لم يكونوا موجودين، والسلطان: التسلط على القاتل، إن شاء قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية.ثم لما بيّن إباحة القصاص، لمن هو مستحق لدم المقتول، أو ما هو عوض عن القصاص نهاه عن مجاوزة الحدّ فقال: {فَلاَ يُسْرِف في القتل} أي: لا يجاوز ما أباحه الله له، فيقتل بالواحد اثنين أو جماعة، أو يمثل بالقاتل أو يعذبه.قرأ الجمهور: {لا يسرف} بالياء التحتية، أي: الولي، وقرأ حمزة والكسائي: {تسرف} بالتاء الفوقية، وهو خطاب للقاتل الأوّل، ونهي له عن القتل أي: فلا تسرف أيها القاتل بالقتل فإن عليك القصاص مع ما عليك من عقوبة الله وسخطه ولعنته.وقال ابن جرير: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وللأئمة من بعده، أي: لا تقتل يا محمد غير القاتل، ولا يفعل ذلك الأئمة بعدك.وفي قراءة أبي: ولا تسرفوا، ثم علل النهي عن السرف فقال: {إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} أي: مؤيدًا معانًا، يعني: الولي، فإن الله سبحانه قد نصره بإثبات القصاص له بما أبرزه من الحجج، وأوضحه من الأدلة، وأمر أهل الولايات بمعونته والقيام بحقه حتى يستوفيه، ويجوز أن يكون الضمير راجعًا إلى المقتول، أي: إن الله نصره بوليّه، قيل: وهذه الآية من أوّل ما نزل من القرآن في شأن القتل لأنها مكية.وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {إِن تَكُونُواْ صالحين} قال: تكون البادرة من الولد إلى الوالد، فقال الله: {إِن تَكُونُواْ صالحين} إن تكن النية صادقة {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا} للبادرة التي بدرت منه، وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب عنه في قوله: {إِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا} قال: الرجاعين إلى الخير.وأخرج سعيد بن منصور، وهناد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن الضحاك في الآية، قال: الرجاعين من الذنب إلى التوبة، ومن السيئات إلى الحسنات.وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لِلأوَّابِينَ} قال: للمطيعين المحسنين.وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عنه، قال: للتوابين.وأخرج البخاري في تاريخه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {وَءاتِ ذَا القربى حَقَّهُ} قال: أمره بأحقّ الحقوق، وعلمه كيف يصنع إذا كان عنده، وكيف يصنع إذا لم يكن عنده، فقال: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابتغاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ تَرْجُوهَا} قال: إذا سألوك وليس عندك شيء انتظرت رزقًا من الله {فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا} يكون إن شاء الله يكون شبه العدة.قال سفيان: والعدة من النبي صلى الله عليه وسلم دين.وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في الآية قال: هو أن تصل ذا القرابة، وتطعم المسكين، وتحسن إلى ابن السبيل.وأخرج ابن جرير عن علي بن الحسين أنه قال لرجل من أهل الشام: أقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: فما قرأت في بني إسرائيل: {وَءاتِ ذَا القربى حَقَّهُ} ؟ قال: وإنكم للقرابة التي أمر الله أن يؤتي حقهم؟ قال: نعم.وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في الآية، قال: والقربى: قربى بني عبد المطلب.وأقول: ليس في السياق ما يفيد هذا التخصيص، ولا دلّ على ذلك دليل، ومعنى النظم القرآني واضح، إن كان الخطاب مع كل من يصلح له من الأمة، لأن معناه أمر كل مكلف متمكن من صلة قرابته بأن يعطيهم حقهم وهو الصلة التي أمر الله بها.وإن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان على وجه التعريض لأمته فالأمر فيه كالأوّل، وإن كان خطابًا له من دون تعريض، فأمته أسوته، فالأمر له صلى الله عليه وسلم بإيتاء ذي القربى حقه، أمر لكل فرد من أفراد أمته، والظاهر أن هذا الخطاب ليس خاصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم بدليل ما قبل هذه الآية، وهي قوله: {وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إياه} [الإسراء: 23] وما بعدها، وهي قوله: {وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ المبذرين كَانُواْ إخوان الشياطين}.وفي معنى هذه الآية الدالة على وجوب صلة الرحم أحاديث كثيرة.وأخرج أحمد، والحاكم وصححه عن أنس: أن رجلًا قال: يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة، فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع؟ قال: «تخرج الزكاة المفروضة، فإنها طهرة تطهرك وتصل أقاربك وتعرف حقّ السائل والجار والمسكين»، فقال: يا رسول الله أقلل لي؟ قال: {فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرًا} قال: حسبي يا رسول الله.وأخرج البزار، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت هذه الآية {وَءاتِ ذَا القربى حَقَّهُ} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك.وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت {وَءاتِ ذَا القربى حَقَّهُ} أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فدك.قال ابن كثير بعد أن ساق حديث أبي سعيد هذا ما لفظه: وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده، لأن الآية مكية، وفدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة، فكيف يلتئم هذا مع هذا؟ انتهى.وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وصححه، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود في قوله: {وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا} قال: التبذير إنفاق المال في غير حقه.وأخرج ابن جرير عنه قال: كنا- أصحاب محمد- نتحدّث أن التبذير: النفقة في غير حقه.وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في الأدب، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله: {إِنَّ المبذرين} قال: هم الذين ينفقون المال في غير حقه.وأخرج البيهقي في الشعب عن عليّ قال: ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير وما تصدقت فلك، وما أنفقت رياء وسمعة فذلك حظ الشيطان.وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا} قال: العدة.وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن يسار أبي الحكم قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برّ من العراق، وكان معطاء كريمًا، فقسمه بين الناس، فبلغ ذلك قومًا من العرب، فقالوا: إنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم نسأله، فوجدوه وقد فرغ منه، فأنزل الله {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ} قال: محبوسة {وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط فَتَقْعُدَ مَلُومًا} يلومك الناس {مَّحْسُورًا} ليس بيدك شيء.أقول: ولا أدري كيف هذا؟ فالآية مكية، ولم يكن إذ ذاك عرب يقصدون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحمل إليه شيء من العراق ولا مما هو أقرب منه، على أن فتح العراق لم يكن إلاّ بعد موته صلى الله عليه وسلم.وأخرج ابن جرير عن المنهال بن عمرو: بعثت امرأة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بابنها فقالت: قل له: اكسني ثوبًا، فقال: «ما عندي شيء»، فقالت: ارجع إليه فقل له: اكسني قميصك، فرجع إليه، فنزع قميصه فأعطاها إياه، فنزلت {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً} الآية.وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود نحوه.وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة وضرب بيده: «أنفقي ما على ظهر كفي»، قالت: إذن لا يبقى شيء.قال ذلك ثلاث مرات، فأنزل الله {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً} الآية، ويقدح في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوّج بعائشة إلاّ بعد الهجرة.وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً} قال: يعني بذلك: البخل.وأخرجا عنه في الآية قال: هذا في النفقة، يقول: لا تجعلها مغلولة لا تبسطها بخير، ولا تبسطها كل البسط، يعني: التبذير {فَتَقْعُدَ مَلُومًا}، يلوم نفسه على ما فاته من ماله {مَّحْسُورًا} ذهب ماله كله.وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ} قال: ينظر له، فإن كان الغنى خيرًا له، أغناه، وإن كان الفقر خيرًا له، أفقره.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {خَشْيَةَ إملاق} قال: مخافة الفقر والفاقة.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه في قوله: {خطأ} قال: خطيئة.وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنا} قال: يوم نزلت هذه الآية لم يكن حدود، فجاءت بعد ذلك الحدود في سورة النور.وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه عن أبيّ بن كعب أنه قرأ: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنا إِنَّهُ كَانَ فاحشة وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلًا إِلاَّ مَن تَابَ فَإِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} فذكر لعمر، فأتاه فسأله، فقال: أخذتها من فيّ رسول الله، وليس لك عمل إلاّ الصفق بالبقيع.وقد ورد في الترهيب عن فاحشة الزنا أحاديث كثيرة.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الضحاك في قوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس...} الآية، قال: هذا بمكة ونبي الله صلى الله عليه وسلم بها، وهو أوّل شيء نزل من القرآن في شأن القتل، كان المشركون من أهل مكة يغتالون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله: من قتلكم من المشركين، فلا يحملنكم قتله إياكم على أن تقتلوا له أبًا أو أخًا أو واحدًا من عشيرته وإن كانوا مشركين، فلا تقتلوا إلاّ قاتلكم، وهذا قبل أن تنزل براءة، وقبل أن يؤمر بقتال المشركين، فذلك قوله: {فَلاَ يُسْرِف في القتل إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} يقول: لا تقتل غير قاتلك، وهي اليوم على ذلك الموضع من المسلمين لا يحل لهم أن يقتلوا إلاّ قاتلهم.وأخرج البيهقي في سننه عن زيد بن أسلم أن الناس في الجاهلية كانوا إذا قتل الرجل من القوم رجلًا لم يرضوا حتى يقتلوا به رجلًا شريفًا، إذا كان قاتلهم غير شريف لم يقتلوا قاتلهم وقتلوا غيره، فوعظوا في ذلك بقول الله سبحانه: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس...} إلى قوله: {فَلاَ يُسْرِف في القتل}.وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا} قال: بينة من الله أنزلها، يطلبها وليّ المقتول، القود أو العقل، وذلك السلطان.وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عنه {فَلاَ يُسْرِف في القتل} قال: لا يكثر في القتل.وأخرج ابن المنذر من طريق أبي صالح عنه أيضًا: لا يقاتل إلاّ قاتل رحمه. اهـ.
|